الموقع الجغرافي
يوجد الموقع الأثري” كركوان على بعد 12 كم شمال قليبية، يعود تأسيسه إلى العهد البوني. وهو فضاء حضري لمدينة صغيرة لها خصائص بونيّة صرفة، يعود تأسيسه إلى العهد البونيّ – ربّما في القرن السادس ق.م لأنّ الرومان لم يعيدوا بناءه بعد ضمّ أفريكا إلى الإمبراطورية الرومانية. سكنه الأمازيغ بين القرنين السادس والثالث قبل الميلاد وهوجم مرتين من قبل الرومان.
هجرت هذه المدينة على ما يبدو بعد تهديمها من طرف القنصل الرومانيّ أتيلوس ريغولوس سنة 256 ق.م، فهرب سكانها المتبقون نحو الغرب واحتموا بالهضاب فاختاروا مكانا أطلقوا عليه تمزراط وهو من اصل لوبي وهو نفس إسم كركوان القديم وتعني الغرس. قبل أن تكتشف المدينة مجدّدا عن طريق الصدفة في بداية خمسينات القرن العشرين.
الحفريات
انطلقت اول حفرية خلال سنة 1953، ومازالت بعض اجزاء المدينة تحت الردم لكن المعطيات التي لدينا تساعد على تصور ملامح مدينة بونية في الشكل الذي كانت عليه فيما بين نهاية القرن الرابع والنصف الاول من القرن الثالث ق.م. على ان اقدم المظاهر التي تم تشخيصها يعود للقرن السادس ق.م.
النسيج الحضري والسكني
تمثل موقع كركوان الاثري مثالا هندسيا وعمرانيا فريدا، حيث الشوارع الفسيحة والمستقيمة تتعامد وتصور رقعة شطرنج تتربع بين خطوطها البنايات. ولقد اثبتت الحفريات ان الشوارع كانت نتيجة تصور مسبق في تخطيط المدينة. وتتخلل هذا النسيج العمراني العديد من الساحات هيئت لتستجيب للحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان كما كشفت البحوث الاثرية الحديثة على حزام يسيج المدينة تتخلله بوابات وأبراج.
اما النسيج السكني للمدينة، فيتكون من مجموعة من الاحياء الفسيحة تتخللها البيوت المتنوعة من حيث اشكالها ومن حيث ثرائها على ان اكثرها تلك التي تتمحور حول فناء بسيط ذات غرف الاستحمام الاكثر رونقا والتي تتركب من معبر صغير يقوم مقام حجرة الثياب ومن حوض حذائي الشكل فيه مقعد للمستحم، فوجود هذه الغرفة الطريفة يثبت مستوى اهتمام السكان بنظافة الجسم وقواعد الصحة. أما البيوت فهي مجهزة بحمام وفرن بنفس الشكل الموجود إلى يومنا هذا ويوجد نموذج منه داخل متحف الموقع والبيت الكركواني مقارنة بالبيت البربري يختلف في انعدام الفسحة الداخلية المسماة بالحوش وكذلك في ضيق مساحته .
كما كشفت الحفريات الاثرية على معبد يعتبر من اشهر المعابد البونية في غربي البحر الابيض المتوسط. فمن حيث تصميمه تراه مطابقا للنموذج السامي بمدخله ذي العمودين الامامين وسقيفته والصحن وفيه ترى النمذبح والناووس المخصص للصور المقدسة، وله لواحق تفضي مباشرة للصحن ومن مميزاته ورشة اقاموها لصناعة الايقونات الفخارية.
كركوان مدينة ساحليّة ولذلك جهزت بميناء بقيت منه بعض الأجزاء. كانت تتعاطى التجارة مع موانئ أخرى متوسّطية وأنها كانت تصدّر منتجات فلاحيّة وكذلك صناعيّة، مثل الأقمشة المصبوغة بالأرجوان، إذ اكتشفت منشآت لصنع هذه المادّة قرب الميناء، اظافة الى العديد من الدكاكين التجاريّة. كما تعاطت النشاط التجاري مع اليونانيين من جهة البحر ومع الأمازيغ في جهة البر وصدرت منتجات صناعية مثل الجير وذلك لاكتشاف أفران تصنع فيها هذه المادة بالإضافة لاكتشاف حوانيت تجارية وساحة صغيرة تتوسط البطحاء.
الموقع الأثري
يوجد في مدخل الموقع الأثري ويكشف لنا عن مظاهر عديدة من الحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية والتجارية للمدينة وحياتها الروحية من خلال القطع والمجموعات التي عثر عليها خلال الحفريات أو مودعة في القبور والتي تعود للفترة البونية. كما توجد في المتحف أيضا آثار متأتية من بلدان متوسطية عديدة كاليونان كاللقى الزخرفية (أوان، مصابيح، إلخ…) ومن مصر كالمستلزمات الشعائرية ( أختام، تمائم، تماثيل صغيرة للتعبد، إلخ…). وأغرب من ذلك مجموعة المصابيح الرومانية الهامة التي عثر عليها في مخبإ مهيأ في ساحة منزل بوني كانت قد أخفيت قبل خراب المدينة بستة قرون. كما نجد العديد من القطع الاثرية المعروضة كان قد عثر عليها في المقابر البونية الكبرى المجاورة. بالإضافة إلى تماثيل صغيرة للآلهة الأمازيغية مثل تانيت وآمون ذو رأس وإلاه آخر ذو رأس خنزير، تمثال نصفي رأسين لشخصين يرتديان قبعة مازالت موجودة في السوس في المغرب الأقصى واشهر التماثيل تمثال لإمرأة تمسك بيدها البندير.
نماذج من المجموعات الأثرية في صور |
|
![]() |
قالب صلب من حجر الأردواز يحمل بصمة مستطيلين غائرين يحملان نقش في شكل غصن. هذا النوع من القوالب يستعمل لصب المعادن منتشر بكثرة في الحضارات القديمة لسيما بمصر وفلسطين، حفريات 1966 بمدينة كركوان الاثرية، النصف الاول من القرن الثالث قبل الميلاد. |
![]() |
ايقونة من فخار تمثل شخصين جالسين على اريكة محفوفة ببوراقين تم العثور على اجزاء منها مفككة فما تبقى منها يمثل امراة جالسة كلها حزم ووقار، صدرها نحيف حتى تكاد لا ترى ثدييها، شعرها كثيف يتدلى ضفيرتين حول وجهها وعلى راسها قوفية شكلها نصف كروي وتنتهي كلتا الظفيرتين بخصائل تنزل على الصدر خطا مستقيما. ذراعاها ممدودتان، يداها مغلقتان وفي احداها صولجان. اما عن الشخص المحاذي للمراة فلم يبق منه الا جزء حيث الرجلان والذراعان يبدو انه رجل مفتول العضلات. الايقونة تصور رجل وامراة حافيان على مقعد رباعي الشكل محفوف ببوراقين مازالت سوقاها واضحة كما يمكن مشاهدة راسيهما. |
![]() |
مشط رجل نسائي من فخار، اصابع منقوشة بدقة والاظافر مقلمة ومعلوم انه جزء من ايقونة نسائية من المرجح انها تمثل احدى الهات معبد كركوان وقد تكون لتانيت، منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، حفريات 1976، القسم البوني معبد كركوان. |
![]() |
ايقونة من الفخار لرجل ذو راس حيواني، رقبة قصيرة، الساعدان ملتصقان بالجيد، واليدان مرفوعتان نحو الصدر، الصرة والعضو التناسلي بارزان، حفريات 60-1957، القرن الثالث قبل الميلاد. |
![]() |
ايقونة من فخار تجسد الهة متربعة على اريكة محفوفة بحصانين، تنتهي قوائم الاريكة بساقي حيوان له اربعة مخالب، ترتدي الالهة كتانة ضيقة تمتد حتى الرجلين، تضم لصدرها على مستوى الثديين قرصا ولعله دف ومن يدها اليمنى التي تمسك الدف لا نرى الا الابها، القرن الثالث قبل الميلاد. |
![]() |
ايقونة تصور اسدا مكشرا من فخار وقد استوى على دبره، وجدت في محيط جنائزي ذلك ان الاسد في اعتقاد القدماء يسهر على حماية الموتى في قبورهم او في طريقهم نحو مدينة الارواح ولعل ذلك ما يبرر وجود صور الاسد على ضريح في موقع دقة، حفريات 1969، ضريح رقم 6 بمقبرة عرق الغزواني كركوان، متحف كركوان. |
![]() |
قالب من فخار على شكل صفيحة رباعية الاضلاع، تمثل ديكا ذيله مفتوح، وقد توسط الطائر نجمتين سداسيتي الاضلاع ومن اعلى الديك بين الراس والذيل شكل على ملامح القلب وعلى الذيل ثقب وعلى الحافة اليمنى فريضات يليها غصن قد يكون من نخلة او شجرة زيتون، القرن الثالث قبل الميلاد، حفريات 1957-1960 بموقع كركوان. |
![]() |
قرص من الفخار بيضوي الشكل ذو حاشية كالعقد المنضود، تتوسطه صورة تمثل عجلة يجرها اربعة خيول تقودها ناصرة، نقلت هذه الصورة عن نقود كانت تضرب بمدينة سرقوسة القديمة، القرن الثالث قبل الميلاد، حفريات 1957-1960 بموقع كركوان. |
![]() |
قالب من فخار مربع الشكل نحتت عليه بصمة تمثل صورة الحية المقدسة متوجة بقرص رمز الشمس، يحمل جسم الحية عدة تموجات تصور القشور. يرمز هذا الشكل في مصر القديمة الى الملكية، وقد انتشر هذا الرمز في كامل الشرق القديم ، ويبدو ان الصورة تمثل نموذجا بونيا يعسر ربطه بالطابع المصري، النصف الاول من القرن الثالث قبل الميلاد، حفريات 1966، كركوان |
![]() |
قرص من فخار بيضوي الشكل ذو حاشية كالعقد المنضود، تتوسطه صورة تمثل عجلة يجرها اربعة خيول راكضة تقودها ناصرة، نقلت هذه الصورة عن نقود كانت تضرب بمدينة سرقوزة القديمة. القرن الثالث قبل الميلاد، حفريات 1957-1960 بموقع كركوان. |
![]() |
زهرنرد من فخار مكعب ذو ستة سطحيات تحمل كل واحدة احد الاعداد المتزاوجة بين الواحد والستة. نحتت هذه الاعداد على شكل نقاط منقورة. يلعب بزهر النرد على رقعة او مكان مسطح وقد عرف الشرقيون القدامى، لاسيما المصريون والاشوريون هذه اللعبة منذ العصور القديمة الغابرة- وهذا الكعب لدليل قاطع على تواجد هذا النوع من اللعب المسلي في مدينة كركوان الاثرية وفي العالم البوني بصفة عامة. النصف الاول من القرن الثالث قبل الميلاد، حفريات سنة 1966 بمدينة كركوان الاثرية. |
![]() |
مبخرة من فخار تتكون من قاعدة مسطحة ومن جوف مخروط الشكل تعلوه ستة اقداح وسماوة خروف يتوسطها قدح سابع ذو قطر اكبر، كما تحتوى المبخرة على زخرف خطي ورباطات تزين قاعدة الجوف والقاعدة، نجد هذا النوع من المباخر بكثرة في كركوان وقرطاج، النصف الاول من القرن الثالث قبل الميلاد، حفريات 60-1957 موقع كركوان. |
![]() |
دن من الخزف له بطن في شكل مخروط اسطواني وحافة محبوكة وهو يمثل شكلا مصغرا للقلال التي كانت منتشرة في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، مقبرة عرق الغزواني. |
![]() |
قنينة عطر من الفخار المطلي على شكل زنجي مقرفص لعلها مستوردة من مصر، اواخر القرن الرابع – النصف الاول من القرن الثالث قبل الميلاد، موقع كركوان. |
![]() |
عقد ذو الوان زاهية يتكون من تسع وعشرين حبة من من الذهب والفضة واليشب والعقيق وعجين الزجاج، كانت تتحلى به المراة البونية وبه تتقى شر الشياطين والحاسدين، عثر عليه في المقبرة البونية التابعة لمدينة كركوان ويوجد بمتحف باردو، القرن السادس قبل الميلاد. |
Share this content:
Leave a Reply