عمل لمحبوبة يحياوي محافظ مستشار بالمعهد الوطني للتراث
أوتيك – الموقع الأثري
10° 3’45.33″E ; 37° 3’18.22″N : الإحداثيات الجغرافية
تعد أوتيك من أقدم المدن الفينيقية بشمال إفريقيا، تسمى المدينة العتيقة أو أوتيقا “Atica” كما وردت في المؤلف المنسوب لأرسطو وليوس باتركولوس، وأطلق عليها ابن خلدون اسم “وطاقة”. أسست في القرن الثاني عشر قبل الميلاد وتحديدا سنة 1101 ق.م أي قبل تأسيس قرطاج بـــ 287 سنة وبعد تأسيس مدينة قادش بإسبانيا سنة 1110 ق.م (2877) من قبل الفينيقيين. يقع الموقع الأثري بمنطقة مرباط سيدي بو شاتر في سفح جبل منزل القل بولاية بنزرت والتي على تونس العاصمة حوالي 30كم وعن بنزرت حوالي 25كم.
أوتيك أو المدينة القديمة أقامها التجار الفينيقيون عـاصمة لإمبراطوريتهم في شمال إفريقيا لتصبح أول مصرف بحري فينيقي بإفريقية. فكانت أوتيك مرفأ تجاريا يسهل حمايته لوجوده في مضيق غار الملح. وفي الفترة الرومانية وإثر تراجع البحر نتيجة انجراف التربة التي حملها وادي مجردة فردم قسطا كبيرا من خليج تونس وترك وراءه مستنقعات مثل قرعة بوعمّار وبحيرات مثل بحيرة غار الملح وسباخ مثل سبخة أريانة أصبح ميناء أوتيكا أرضا يابسة تبعد حوالي 11كم عن خط الساحل.

خريطة ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ ﺍﻟﻀﻴﻖ ﻟﺒﻼﺩ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﺇﻟﻰ البحر الابيض المتوسط
كان موقع أوتيكا القديم استراتيجيا للغاية فقد كانت تتوسط الطريق من قرطاجة إلى مدينتي هيبوأكرا و هيبو ريجيوس المهمتين مما جعلها تزدهر بشكل كبير. و كان ذلك الإزدهار سببا للتنافس المتبادلين بين أوتيكا وقرطاجة. وقد ورد ذكر مدينة أوتيك في معاهدة 348 ق.م التجارية بين روما و قرطاجة.
أما اليوم فان مرباط سيدي بوشاتر في سفح منزل القل قد اكتشفت فيها مقابر فينيقية تعود إلى القرن الثامن ق.م. كما توجد كذلك المقبرة البونيقية الكبيرة التي تعود إلى القرن الخامس ق.م بالإضافة إلى أثار للجزء السكني من المدينة الرومانية. ويوجد على بعد 500 متر تقريبا من مدخل الموقع الأثري متحف يحتوي على عديد النقوش والتماثيل ولوحات الفسيفساء والأواني الخزفية وقطع أثرية مختلفة بونية وفينيقية ورومانية. وسيتم قريبا تشييد متحف أثري جديد بأوتيك على مساحة تناهز 390 م2.

صورة جوية للموقع الاثري أوتيك
تاريخ المدينة
تأسّست أوتيك سنة 1101 قبل الميلاد من قبل الفينيقيين، استناداً إلى ما ذكرته الكتابات التاريخية قبل تأسيس قرطاج بحوالي 287 سنة، ويوافق ذلك وفق هذه الكتابات سنة 1101 ق.م لتكون بذلك صلة وصل بين مدينة صور والمستوطنات الفنيقية في أيبيريا. كان موقع أوتيكا القديم موقعا استراتيجيا هامّا للغاية إذ كانت تتوسط الطريق من قرطاجة إلى مدينتي هيبوأكرا و هيبو ريجيوس المهمتين مما جعلها تزدهر بشكل كبير. وكان ذلك الازدهار سببا لتنافس بين أوتيكا وقرطاجة.
كان لتأسيس مدينة قرطاج سنة 814 ق.م دورا في تقلص أهمية أوتيك كعاصمة للفينينقين منذ أواخر القرن السادس قبل الميلاد، لتصبح مدينة خاضعة إلى قرطاج مع تبعية تواصلت إلى حدود سنة 149 ق. م أي عند إنطلاق الحرب الرومانية- البونية الثالثة (149-146 ق.م) حين صارت أوتيك حليفة لروما وتنكرت لقرطاج، بعد أن كانت حليفتها في الحربين الأوليين (الحرب الأولى 264-241 ق.م، والحرب الثانية 218-202 ق.م). عندما فازت روما بالحرب صارت أوتيك مدينة حرة مكافأة من الرومان، لتصبح عاصمة للمقاطعة الرومانية بشمال إفريقيا في سنة 49 ق.م وشاركت أوتيكا في الحرب الأهلية التي واجهت فيها أنصار يوليوس قيصر أتباع الثائر بومبيوس. وكان ماركوس بورسيوس كاتو أوتيسنسيس (95 – 46 ق.م)، متحمسا لبومبيوس ولكنه عارض في مناسبتين المذبحة التي كاد يتعرض لها أهالي أوتيك من قبل هذا الثائر بسبب انحيازهم لقيصر. وبعد معركة ثابسوس في عام 46 ق.م، قام كاتو الاصغر بالتقوقع في أوتيكا في كفاحه الأخير ضد يوليوس قيصر وفيها قام بالإنتحار، ليدخل باب الأسطورة.
مكافأة أخرى لأهالي أوتيك، وهذه المرة من قبل أوكتافيوس منحت المدينة حقوق الميونيسيبيوم مع حقوق المواطنة الكاملة عام 36 ق.م، وبقيت مركز إقامة بروقنصل إفريقيا إلى حوالي 10ق.م وأصبحت في عهد حكم الإمبراطور هدريانوس (117-138م) مستعمرة ولقبت بـ “كولونيا جوليا أيليا هادريانا” او”غوستا أوتيكا“. وفي عهد الإمبراطور سبتميوس سفريوس (193-211م) وعرفت آنذاك أوجها وتمكنت من الحصول على حقها اللاتيني على غرار لبدة وقرطاج ولكي تتفوق أوتيكا على منافستها قرطاج قامت المدينة ببناء العديد من المعالم مثل القنطرة الأثرية والحمّام الروماني والمسرح الأثري وملعب المصارعة الدائري والقطع الفسيفسائية المعـروضة في متحـف. إثر ذلك منحت أراضي أوتيكا صفة الأراضي “الإيطالية” مع كل ما يمثل ذلك من امتيازات كالإعفاء من الضرائب. وهكذا استقر بها عديد المعمرين كـ”زانا” أو “zana” والتي أطلق اسمها على المنطقة حتى بعد رحيلها. سقطت المدينة بيد جينسيرك والوندال عام 439م. وقام البيزنطيون أيضا بغزوها عام 534م، وأخيرا سقطت بيد العرب سنة 698م. لتتحول أوتيك الفينيقيين، أوتيك الرومان، أوتيك الوندال والبيزنطيين إلى “زهانة” اليوم.
ظهرت بوادر انتشار المسيحية لدى سكان أوتيكا منذ أواسط القرن الثالث ميلادي. فقد تحدتث عدة مصادر عن مشاركة أسقف أوتيك أوريليوس في مجلس قرطاج سبتمبر 256 ق.م.
المعالم المرتبة
اسم الموقع |
اسم المعلم |
نوع المعلم |
الوضعية القانونية |
تاريخ الترتيب |
أوتيك |
الحمامات الرومانية |
قصر |
ترتيب |
23/12/1891 |
أوتيك |
المسرح الآثري |
مسرح |
ترتيب |
23/12/1891 |
أوتيك |
ملعب المصارعة الدائري |
مسرح و مدرج |
ترتيب |
23/12/1891 |
الزهانة |
القنطرة الآثرية |
قنطرة |
ترتيب |
15/01/2001 |
فرطوط (وادي الحنايا ) |
الحنايا الرومانية |
حنايا |
ترتيب |
25/01/1922 |
الحفريات
انطلقت أولى الحفريات بالموقع الاثري بأوتيك منذ القرن التاسع عشر، من طرفC. Borgia, Auguste Daux, N. Davis et I. Hérisson واندرجت في إطار حملة جمع اللقى الاثرية لإثراء كل من متحف اللوفر والمتحف البريطاني ومتحف لايد آنذاك. ومنذ القرن العشرين الي اليوم اصبحت الحفريات ممنهجة واتخذت صبغة علمية بهدف اكتشاف تاريخ المدينة القديمة. ومن أبرز الأثريين الذين ساهموا في اكتشافها نذكر P. Cintas وP.A. Fevrier و A. Lézine .
ومن أهمّ ما كشفت عنه حفريات سنة 1905 وسنوات 1948 – 1958 بعناية (M.P.Cintas) وما بعدها المقبرة البونية والمنازل الرومانية خاصة منها منزل الشلاّل ومنزل الكنز ومنزل التيجان المشخّصة لآلهة ومنزل الصيد، وكذلك المعبد والحمّامات والساحة العامة والسرك وعدّة مسارح وأوان وتماثيل ولوحات فسيفسائية معروضة بمتحفها.
ومنذ ذلك الحين شهد الموقع الأثري انطلاق جملة من الحفريات الأثرية العلمية اندرجت ضمن اتفاقيات الشراكة والتعاون العلمي التي أبرمها المعهد الوطني للتراث مع الجامعات الأوروبية على غرار جامعة أكسفورد وجامعة السربون والمعهد الإسباني للدراسات البونية
|
|
|
|
![]() الحفريات بالموقع الاثري بأوتيك |
اكتشافات الفترة البونية
المقبرة البونية : كشفت مجموعة من الحفريات قام بها عدد من الأثريين ما بين سنتي 1923-1925 قام بها الأب Moulard وتواصلت مع P. Cintas ما بين سنة 1948 -1958.
وهي مقبرة في شكل نصف تاج بها مجموعة من المقابر اقدمها توجد في الجهة الشمالية الشرقية وتعود للقرن 5 و6 و7 ما قبل الميلاد. اما المقابر المكتشفة في الجهة الجنوبية الغربية فهي تعود للقرن الرابع قبل الميلاد والتي تحاذي الجزء السكني من المدينة البونيقية. تتميز هذه المقابر بتنوعها لنجد قبور منحوتة في الصخر واخرى توابيت حجرية كما عثر على بقايا رماد صناديق حجرية موضوعة في منافذ محفورة في الارض. وقد عُثر في هذه المقبرة على مجموعة هامة من القطع الجنائزية معروضة اليوم في المتحف نذكر منها اليد العاجية التي ربما تعود إلى ما قبل الألف الأولى ق.م. وعدة لوحات نذرية وخواتم وجعارين وتمائم ومزهريات ملونة وجدت في مدفنين يعودان إلى ما بين القرنين الثامن والرابع ق.م.
![]() |
![]() |
الأسوار: اكتشف جزء منها خلال حفريات الأب Abbé Moulard سنة 1925 بمحاذاة المقبرة البونية. وحسب الاحداث والحروب التي شاركت بها أوتيكا القديمة فان للمدينة أسوار تحميها.
![]() |
![]() |
الحي السكني : يحتوى الحي الشمالي الشرقي للمدينة الرومانية على العديد من المنازل الموجودة في التقسيم العمرانيI -II–III. شهد الحي السكنى مرحلتين : الاولى ترجع الى نهاية القرن الاول ميلادي حيث تخترق المدينة شوارع تتقاطع حسب زاوية قائمة، وتقوم داخله مجموعة من المباني ذات الطوابق نجدها مجزأة إلى شقق سكنية على غرار المنازل البونية المكتشفة في قرطاج وكركوان. وفي مرحلة ثانية من القرن الثاني الى القرن السادس ميلادي، اخذت هذه المنازل في الاتساع على حساب الشوارع. ونجد بالحي السكنى عدة دكاكين مفتوحة على الشارع بالطابق الأرضي من المباني. تتميز هذه المنازل ببلاطات من طراز بوني pavimenta punica وتيجان وأعمدة مختلفة. من اهمها نجد منزل التيجان ذات التمثيل الادمي ومنزل الحي السكني.
![]() |
![]() |
اكتشافات الفترة الرومانية
توجد هذه المنازل شمال-شرق الموقع الأثري وقع اكتشافها بين 1948 و 1958. وهي على شكل صفوف متصلة ملاصقة ببعضها علي امتداد طرق ضيقة ويخترقها طريقان رئيسيان متعامدان بهما أعمدة تميزها عن باقية الشوارع احداهما من الشمال الى الجنوب ويسمى (كاردو) والأخر من الشرق الى الغرب ويسمى (ديكومانوسى).
من بين هذه المباني، تعتبر فيلا الشلاّل “cascade” من أحسنها حفظا في كامل الموقع. وقد تمّ ترميمها لإعطاء فكرة عن طراز البيت الرومانيّ الأوتيكي الفخم. تفتح الدار على باب مزدوج يطل على بهو مبلط بالفسيفساء ويؤدي إلى عدة ممرات ويتكون من عدّة غرف تسبقها باحة مدعّمة بأعمدة، حول ساحة مركزيّة محلاّة بحديقة صغيرة ومبلّطة بالفسيفساء.
منزل التيجان ذو التيجان الآدمية المشخّصة للآلهة ويمكن الولوج إليه من خلال ثلاثة أبواب ذات واجهة تفتح على رواق معمد اصطف به اثنتي عشر عمودا، تعلوها تيجان تمثل تماثيل نصف ادمية نصفية لهرقل، ولمينرفا وأبولو نجدها اليوم معروضة في المتحف الاثري بالموقع.
منزل الصيد الذي يتميز بأرضياته الفسيفسائية التي تصور مشاهد الصيد.
منزل الكنز الذي يزينه حوض دائري مرصوف بالفسيفساء.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
كما كشف الموقع عن عدة معالم أخرى ولكن لم تتضح بعد بشكل جيد، بما في ذلك حمامات كبيرة، والمسرح، والسيرك والمسرح. وقد تم تحديد مساحة رباعية الأضلاع مثلت الفوروم الروماني forum novum كانت تزينه العديد من التماثيل، أرضيتهُ مفروشة بالرخام الابيض. كما عثر غرب الفوروم على بقايا معبد مخصص على الارجح لآلهة المشتري. كما وقع التعرف على عدة معالم اخرى تم الكشف عنها ولكن لم يتم تحديدها جيدا، بما في ذلك الحمامات الحرارية الكبيرة والمسرح والسيرك والمدرج.
![]() اثار الفوروم |
|
![]() آثار الحمامات الحرارية الكبيرة |
الببليوغرافيا
Amar Mahjoubi, « Découverte d’une nouvelle mosaïque de chasse à Carthage », CRAI, vol. 111, no 2, 1967, p. 264-278
Chelbi Fethi, Roland Paskoff et Pol Trousset, « La baie d’Utique et son évolution depuis l’Antiquité : une réévaluation géoarchéologique », Antiquités africaines, vol. 31, 1995, p. 7-51
Chelbi Fethi, Utique la splendide, Tunis, Agence nationale du patrimoine, 1996.
Cintas Pierre, « Deux campagnes de fouilles à Utique », Karthago, no 2, 1951, p. 5-88.
Cintas, Pierre. « Nouvelles recherches à Utique », Karthago. number 5, 1954, pp. 86–155
Étiennette Colozier, « Quelques monuments inédits d’Utique », Mélanges d’archéologie et d’histoire, vol. 64, numéro 64, 1952, pp. 67–86.
Fethi Chelbi, Roland Paskoff et Pol Trousset, « La baie d’Utique et son évolution depuis l’Antiquité : une réévaluation géo archéologique », Antiquités africaines, vol. 31, 1995, pp. 7–51
Fethi Chelbi, Utique la splendide, éd. Agence nationale du patrimoine, Tunis, 1996.
- Ville, « La maison de la mosaïque de la chasse à Utique », Karthago, numéro11, 1961-1962, pp. 17–76.
Hatto Gross, Walter. Utica. In: Der Kleine Pauly (KlP). Band 5, Stuttgart 1975, Sp. 1081 f.
Lézine Alexandre, « La maison des chapiteaux historiés à Utique », Karthago, no 7, 1956, p. 1-56.
Lézine Alexandre, Utique, Tunis, Société tunisienne de diffusion, 1970.
Lézine, Alexandre. Carthage-Utique. Études d’architecture et d’urbanisme, éd. CNRS, Paris, 1968
Roland Paskoff et Pol Trousset, « L’ancienne baie d’Utique : du témoignage des textes à celui des images satellitaires », Mappemonde, numéro1/1992, pp. 30–34.
Jean-Yves Monchambert, Imed Ben Jerbania, Mehdi Belarbi, Luisa Bonadies, Héloïse Bricchi-Duhem, Marie De Jonghe, Yves Gallet, Jihen Nacef, Yamen Sghaïer, Amel Tekki, Erwan Thébault et Ségolène Vermeulen,
Institut national du patrimoine de Tunisie, Université Paris-Sorbonne (Paris IV), Laboratoire Orient et Méditerranée (UMR 8167), Utique, Rapport préliminaire sur les deux premières campagnes de fouilles de la mission franco-tunisienne, 2011 et 2012.
https://journals.openedition.org/cefr/996
Share this content:
Leave a Reply